مذكرة اللجنة العربية العليا إلى اللجنة الملكية

 

مذكرة اللجنة العربية العليا إلى اللجنة الملكية
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 949 ، وزارة الارشاد القومي ، ج 1 ص 589 -593”

مذكرة اللجنة العربية العليا
إلى اللجنة الملكية (*)
11 يناير سنة 1937

       تقدم اللجنة العربية العليا بالنيابة عن عرب فلسطين هذه المذكرة الى لجنتكم الملكية التي بسطت فيها القضية العربية الفلسطينية والتي تحتوى على الأسباب الاساسية لاضطرابات صيف السنة الماضية والاضطرابات المتوالية في فلسطين منذ سنة 1919.

       ان أسباب الاضطرابات الاساسية تلخص بالامرين الآتيين:

 

(أ)

حرمان العرب في فلسطين من التمتع بحقوقهم الطبيعية والسياسية.

 

(ب)

اصرار الحكومة البريطانية على اتباع سياسة انشاء وطن قومي يهودي في هذه البلاد العربية من شأنها في الواقع هدم الكيان العربي في البلاد وايضاح ذلك كما يلي:

       أولا – ان القضية العربية في فلسطين هي قضية قومية استقلالية لا تختلف في جوهرها عن قضايا العرب في سائر البلاد العربية وليست هذه القضية حديثة بل ترجع الى مدة طويلة قبل الحرب العامة.

       لقد كان العرب يؤلفون جزءا مهما من كيان الدولة العثمانية ومن الخطأ ان يقال ان العرب كانوا تحت نير عبودية الاتراك وأن حركتهم ومساعدة الحلفاء لهم انما كانت ترمي الى تحريرهم من ذلك النير فقد كانوا في الحقيقة يتمتعون في كيان الدولة العثمانية بجميع أنواع الحقوق التي كان يتمتع بها الأتراك. سياسية كانت أو غير سياسية وذلك بحكم الدستور العثماني الذي وضع أساس حكم واحد لجميع البلاد والعناصر التي كان يتألف منها كيان الدولة العثمانية.

       وكان العرب يشاطرون الاتراك في جميع مناصب الدولة المدنية والعسكرية الرئيسية وغير الرئيسية. فكان منهم رؤساء وزارات ووزراء وقواد فيالق وفرق وسفراء وولاة ومتصرفون كما أنهم كانوا شركاء الاتراك في البرلمان العثماني بقسميه النواب والاعيان ممثلين فيه بعدد كبير من الاعضاء متناسب مع عدد نفوسهم وفقا للدستور وقانون الانتخاب العثماني. وفوق ذلك فقد كانت البلاد العربية تدار بحكم يستند على مجالس ادارية منتخبة في الاقضية والالوية والولايات وعلى مجالس


         * محمد توفيق جانا . الشهادات السياسية أمام اللجنة الملكية في فلسطين . دمشق 1937 ص 357 – 368.

 

(تابع) مذكرة اللجنة العربية العليا إلى اللجنة الملكية
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 هى عام 1949، وزارة الارشاد القومي ، ج 1، ص 589 – 593”

عمومية انتخابية للولايات والالوية المستقلة كالقدس والتي كانت تتمتع بصلاحيات واسعة في الادارة والمالية والتعليم والعمران.

        غير أن العرب كانوا بالرغم من ذلك كله يطمحون الى استكمال سيادتهم القومية في بلادهم طموحا يرمى الى استعادة المركز الممتاز الذي كان للشعب العربي في القرون الغابرة والذى قدم فيه للحضارة الانسانية خدمات عظيمة بادية الاثر في كل نواحى الحياة المدنية العالمية. فلقد اعتنق منذ زمن طويل رجالات العرب وشبانهم الذين كان منهم عدد كبير من فلسطين الفكرة الاستقلالية ونشروها بقوة في جميع أوساط البلاد العربية. ونشطت هذه الحركة نشاطا عظيما منذ سنة 1908 (بعد اعلان الدستور العثماني) بنوع خاص الى العمل في هذا السبيل. وتعرضوا في سبيلها الى الاضطهادات الشديدة وتحمل التضحيات الجسيمة بالخاصة بعد عقد المؤتمر الاول في باريس سنة 1913 والذى كان مظهرا عظيما من مظاهر هذه الحركة. وكان آخر هذه الاعمال قيام شريف مكة الشريف حسين حينئذ (الملك حسين) بثورته الكبرى باسم العرب متحالفا مع بريطانيا العظمى سنة 1915 للوصول الى تحقيق الغاية المنشودة وهى استقلال البلاد العربية.

        ثانيا: قطعت الحكومة البريطانية للملك حسين بصفته ممثلا للعرب عهودا تأيدت مرارا تتضمن الاعتراف بقيام دولة عربية مستقلة وقد شملت هذه العهود فلسطين كما شملت سائر البلاد العربية في الدولة العثمانية.

        وقد ادعى المستر ونستون تشرشل حينما كان وزيرا للمستعمرات في سنة 1922 بأن فلسطين لم تكن داخلة ضمن هذه الحدود في الرسائل التى تبودلت بين الملك حسين والسير هنيرى مكماهون دون ما جدوى اذ أن الاستثناءات التى لم يسلم بها فى ذلك الحين الشريف حسين (الملك حسين) انما أريد بها ماهو معروف اليوم بلبنان وذلك ثابت بدون أقل ريب بالدلائل الآتية:

1 –

لقد أريد بهذه الاستثناءات عدم التعارض مع مدعيات فرنسا بمصالح خاصة في الاقسام الغربية من أقضية دمشق وحمص وحماه وحلب ولم يكن لفرنسا مدعيات الا فيما يسمى اليوم لبنان.

2 –

ان الاستثناءات تشمل الاقسام الواقعة غربى أقضية دمشق وحما – وحمص وحلب. وفلسطين ليست واقعة غربى هذه الاقضية.

3 –

واما ما ادعاه المستر تشرشل من أن المقصود من دمشق هو ولاية دمشق فخطأ من الأساس لأنه لم يكن هناك ولاية دمشق بل كانت دمشق عاصمة ولاية سوريا وتشتمل على قضاء واحد من عدة أقضية ضمن هذه الولاية. ولو أريد بقضاء دمشق ولاية سوريا التابعة لها أقضية شرق الاردن والتى تقع فلسطين في الغربى منها لما ذكرت أقضية حمص وحماه التى هى أيضا أقضية داخلة في ولاية سوريا مثل قضاء دمشق. ولو عنيت فلسطين في هذا الاستثناء لذكر أيضا أقضية السلط والكرك.

        فالملك حسين استنادا الى العهود المذكورة قام بثورته الكبرى ودعا الـيها العرب في مختلف البلاد العربية فكان متطوعو فلسطين من أول الوافدين الذين انضموا الى جيوش الثورة العربية. وقد كانت الطيارات تلقى في فلسطين المناشير



(تابع) مذكرة اللجنة العربية العليا إلى اللجنة الملكية
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي ،ج 1، ص 589 – 593”

العديدة للدعوة الى انضمام جنود وضباط العرب فيها الى الثورة العربية فاشترك عرب فلسطين فيها بمقياس واسع ضباطا وجنودا لأجل تحقيق غايات الحركة العربية التى كانت ترمى الى استقلال البلاد العربية ومنها فلسطين .

        ثالثا: وضعت الحرب أوزارها على أساس مبادئ الرئيس ولسن ومنها مبدأ تقرير المصير ولقد أصبح تنفيذ هذا المبدأ حقا مقدسا .

        ولما تم النصر لجيوش الحلفاء أذاع اللورد اللنبى قائد جيوش الحلفاء في الشرق باسم الحكومتين البريطانية والفرنسية في تشرين الثانى 1918 في جميع مدن وقرى فلسطين وفي سوريا ولبنان بيانا جاء فيه أن القصد من حركة الحلفاء هو تمكين أهل البلاد من تقرير مصيرهـم وانشاء حكومات وطنية منهم وانه لم يكن لفرنسا ولا لبريطانيا أى مقصد استعمارى في هذه البلاد. وقد تلقى عرب فلسطين اذ ذاك هذا البيان بمثابة وثيقة عهد جديد مؤيد للعهود المقطوعة للملك حسين والمشار اليها آنفا.

        رابعا: ثم عقد مؤتمر الصلح في فرسايل وكان أهم ما أنتجه هذا المؤتمر هو عهد عصبة الامم وقد تأيد في هذا العهد مبدأ تقرير المصير ومبدأ الاعتراف باستقلال البلاد العربية المنسلخة عن الدولة العثمانية باعتبار أن سكانها العرب قد وصلوا الى درجة من النضوج السياسى يجعلهم أهلا للتمتع بالاستقلال بشرط أن يتلقوا الارشاد والنصح لمدة مؤقتة من دولة عرفت بالدولة المنتدبة. وجعل لرأي أهل البلاد الاعتبار الاول في اختيارها.

        وعلى أثر ذلك تقرر ايفاد لجنة دولية للبلاد العربية لاستفتاء سكانها، وجاءت اللجنة الامريكية المعروفة بلجنة كراين – كنغ. وكانت نتيجة استفتاء هذه اللجنة برهانا قاطعا على رغبة أهل هذه البلاد بالاستقلال والحرية والوحدة السورية والعربية ورفض السياسة الصهيونية رفضا باتا.

        خامسا: وبالرغم من كل ذلك وبعد أن كان لعرب فلسطين كل الحق في كيان عربي مستقل فقد سلخت بلادهم عن سوريا وفرض عليها الانتداب البريطانى وادمج وعد بلفور في صك الاتتداب ثم بالرغم عما ذكر في هذا الصك من أنه مستند الى المادة 22 من عهد عصبة الامم فقد صيغ في قالب لوحظت فيه بالدرجة الاولى مصالح اليهود وقد جعل فيه للحكومة المنتدبة الحق المطلق في التشريع والادارة ونص فيه على وجوب وضع البلاد في حالات إدارية وسياسية واقتصادية من شأنها تسهيل انشاء الوطن القومى اليهودى. وقد سارت الحكومة البريطانية في ادارة البلاد طيلة التسع عشرة سنة الماضية على سياسة ترمى الى انشاء هذا الوطن اليهودى مهملة تمام الاهمال المحافظة على حقوق و وضعية العرب التى اخلت اخلالا فظيعا بحيث نزلت نسبتهم العددية التى كانت 93% في بداية الاحتلال البريطانى الى 70% وبحيث خيب كل أمل لهم في الحكم الذاتى وبحيث حرموا من كل مشاركة في مرافق البلاد وبحيث أصبح كيانهم القومي مهددا بالهدم والفناء وبحيث مكن اليهود من الاستيلاء على قسم كبير من أحسن الاراضى العربية وأخصبها وتشريد مزارعيها عنها ومحو القرى العربية فيها. هذا في حين أن البلاد العربية الاخرى المنسلخة عن الدولة العثمانبة والمماثلة لفلسطين أى سوريا ولبنان والعراق قد قام لها منذ البدء حكم وطني ما لبث أن انتهى فيه عهد الانتداب وتثبتت العلاقة

(تابع) مذكرة اللجنة العربية العليا إلى اللجنة الملكية
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي ، ج 1، ص 589 – 593”

بينها وبين بريطانيا العظمى في العراق، وفرنسا في سوريا ولبنان على أساس معاهدة حلف وصداقة أخذت تتمتع بعدها هذه البلاد بحكم نفسها بنفسها.

        فمن الطبيعى جدا أن يعتقد عرب فلسطين الذين كانوا يأملون طوال السنين السابقة رجوع بريطانيا الى انصافهم. ان كل حائل يحول بينهم وبين حقهم المقدس بالاستقلال والمحافظة على كيانهم القومي في بلادهم انما هو قائم على الظلم وأن من واجبهم أن يظلوا مناضلين بجميع الوسائل المشروعة التي لديهم الى أن يزول هذا الظلم والى أن يصلوا بزواله الى حقهم المقدس.

        سادسا: جاء في تصريح المستر ونستون تشرشل لسنة 1922 أن المانع الوحيد لتأسيس حكومة وطنية في فلسطين اسوة بالبلاد العربية الاخرى ليس كون أهل فلسطين أقل رقيا وتقدما من سكان تلك البـلاد وانما هو وعد بلفور. وفي هذا من الظلم والاجحاف مالا يحتاج الى اسهاب اذ إنه لا يمكن أن يبرر ذو وجدان أيا كان حرمان العرب في فلسطين من التمتع بحقهم المقدس بالحرية والاستقلال لا لذنب اقترفوه ولا لتقصير وقعوا فيه ولكن لان الحكومة البريطانية وعدت اليهود بإنشاء وطن قومى لهم في فلسطين.

        على أنه مهما قيل عن تصريح بلفور فإن الحقيقة الناصعة انه تصريح باطل من أساسه لا يقوم على أى منطق ولا يستند الى أى حق. فقد اضمحل كيان اليهود بفلسطين منذ تشتتهم قبل نحو ألف وتسعمائة سنة ولم يبق لهم فيها وجود الا بضعة آلاف لم يعيشوا في البلاد آمنيين مطمئنين على أرواحهم وعلى أموالهم الا بعد الفتح العربي وبفضل التقاليد العربية السمحة. وقد استقر العرب في فلسطين منذ أكثر من ألف وثلاثمائة سنة واصطبغت بهم بالصبغة العربية ومازالوا هم أصحابها الشرعيين ومنهم تتشكل أكثريتها الساحقة. ولم يكن عدد اليهود الذين دخلوا طوال زمن الحكم العثماني وما قبله ووجدوا عند الاحتلال الا نحو 50.000 يهودى أو 7% من مجموع السكان عدد عظيم منهم أجانب.

        سابعا: يرمى وعد بلفور الى غاية مبهمة ويحتوى على أمرين ثبت بالتطبيق أنهما متناقضان كل التناقض. أما أن غاية هذا الوعد مبهمة فلأنه بالرغم من المحاولات الرسمية العديدة لتفسيره لم يزد الا ابهاما، واما أن الامرين اللذين جاءا فيه والمتعلقين بانشاء الوطن القومى اليهودى والمحافظة على حقوق و وضعية العرب متناقضان تماما فلان أقل نتيجة طبيعية لانشاء هذا الوطن هو ضياع الحقوق والوضعية التى للعرب في البلاد.

        غير أن الحكومة البريطانية التى حادت عن طريق الحق والوفاء بالعهود المقطوعة للعرب بارتباطها بوعد بلفور ظلت مستمرة في حيدها عن طريق الحق والعدل. وحاولت أن تجعل المستحيل ممكنا بانشاء وطن قومى يهودى في هذه البلاد العربية المحاطة بالاوقيانوس العربى من جميع الجهات والتى هى موضع الاهتمام العظيم للعالم العربي والإسلامي فأساءت الى الحق والعدل وجعلت هذه البلاد المقدسة بلاد فتن دامية ليس من المستطاع أن تهدأ مادام الشذوذ عن الحق والعدل هو الاساس الذى تقوم عليه ادارتها. ان التاريخ لم يرو حادثا مثل هذا كما أن الاصرار على هذه السياسة ليس في مصلحة أى كان.

        ثامنا: ان اللجنة العربية العليا لا ترى فائدة كبيرة من الدخول في تفاصيل

(تابع) مذكرة اللجنة العربية العليا إلى اللجنة الملكية
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 589 – 593”

وأرقام واسعة لاثبات الاجحاف الذى أصاب العرب من الادارة البريطانية وما لقيه اليهود ويلقونه من تعضيد وتحيز ومحاباة وتسليم للمرافق الحيوية في البلاد، وما هي الروح الاستعمارية والصهيونية المسيطرة على فروع الادارة والتشريع ومايقترف في سبيل ذلك من أعمال وحوادث لاتقرها مبادىء الحق والعدل كما أن العرب لا يرون أية فائدة وأمل من اصلاح في ادخال تغييرات ثانوية لأن الداء انما هو الأساس وما لم يعالج الاساس معالجة صحيحة وجريئة فان الداء يظل مستفحلا والشر متفاقما.

        أما هذه المعالجة الاساسية والصريحة فهى:

1 –

العدول عن تجربة الوطن القومي اليهودي الفاشلة التى نشأت عن وعد بلفور. واعادة النظر في جميع النتائج التى نتجت عنها والتى ألحقت أشد الاضرار والاخطار بكيان العرب وحقوقهم.

2 –

ايقاف الهجرة اليهودية ايقافا تاما وفورا.

3 –

منع انتقال الاراضى العربية لليهود منعا باتا وحالا.

4 –

حل قضية فلسطين على الاسس التى حلت عليها قضايا العراق وسوريا ولبنان وذلك بانهاء عهد الانتداب وعقد معاهدة بين بريطانيا وفلسطين تقوم بموجبها حكومة مستقلة وطنية ذات حكم دستوري تتمثل فيها جميع العناصر الوطنية ويضمن للجميع فيها العدل والتقدم والرفاه.

محمد أمين الحسينى
رئيس اللجنة العربية العليا

 

فؤاد سابا
أمين السر

Scroll to Top