مذكرة الهيئات الوطنية في الأردن إلى السلطات الحكومية بشأن الظروف الراهنة

مذكرة الهيئات الوطنية في الأردن إلى السلطات الحكومية بشأن الظروف الراهنة
المصدر: ” الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970، مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، بيروت مج 6، ص 500 – 503 “

مذكرة الهيئة الوطنية في الأردن إلى السلطات الحكومية
بشأن الظروف الراهنة.

عمان، 25 / 6 / 1970

 

( فتح، عمان، 26 / 6 / 1970 )

          لقد هزت حوادث الاقتتال الأخيرة المؤسفة ما بين 7 – 31 حزيران ( يونيو ) 1970 بلدنا المكافح الصامد على أخطر خطوط المواجهة وفي أخطر مراحل معركتنا مع العدو جميع المواطنين في هذا البلد، مهما كان اتجاههم وانتماؤهم السياسي والاجتماعي والمهني، كما هزت المؤمنين المخلصين في كافة اقطار العروبة من المحيط الى الخليج. لقد هزت الضمير والامل لدى جميع المواطنين وبصورة خاصة لدى أولئك الذين اعطوا ويعطون كل دعمهم وتأييدهم بغير حدود ماديا وعاطفيا وحتى بالحياة لتكون هذه الساحة مواجهة حقيقية وساحة قتال جدية في سبيل تحرير فلسطين وتطهيرها من العدوان والمعتدين، بعد ان بقيت عشرين عاما ونيف لا يحسب لها أي حساب من العدو ومن الساحات الآمنة والمطمئنة بالنسبة له. ومن الطبيعي ان يتساءل الجميع عن الاسباب والعوامل المؤسفة، وما هي الخطوات الجدية الحقيقية التي أدت لهذه الحوادث، والمسؤولية الواجب اتخاذها لمعالجة هذه الاسباب والعوامل.

          وانطلاقا من هذا الاحساس بخطورة الاحداث الاخيرة على مسار القضية ومصيرها، وخطورة الاستمرار في نفس الطريق الذي ادى اليها، وايمانا بمسؤولية وواجب كل مخلص في التصدي والعمل لمعالجة هذه الاوضاع بكل جهده وامكاناته، فقد اتفقنا نحن موقعي هذه المذكرة على ضرورة المساهمة في بحث وتحديد الاسباب والعوامل الرئيسية التي أدت الى الاحداث الاخيرة المؤسفة، واقتراح الخطوات الجدية الواجب اتخاذها لمعالجتها بصورة جذرية وحاسمة ومسؤولة في سبيل تحويل الاردن الى ساحة حقيقية وجدية لتحرير فلسطين، وتطهيرها. من العدوان والمعتدين، وتوفير كل امكانياتنا المادية وغير المادية وكل قطرة من العرق والدم لمعركة التحرير والمصير.

الأسباب:
          اننا نرى بأن للاحداث الاخيرة أسبابا وعوامل مباشرة وأخرى غير مباشرة، ولكن أكثر الاسباب والعوامل وأعراضها ودوافعها، الا من نتائج غير المباشرة، ليست في حقيقتها الاسباب والعوامل المباشرة، ولذلك وحتى لا يغرق الجوهر في التفاصيل فإننا سنكتفي في هذا البيان بالاشارة الى العوامل المباشرة، التي يمكن تلخيصها وجمعها في نطاقين رئيسيين:

          الأول – العوامل الداخلية وتتجسد فيما يلي:

          أ – عدم اتباع الحكومات المتعاقبة وحتى الآن النظام الديمقراطي الدستوري الذي يعتبر بأن الشعب هو مصدر السلطات، وان اية حكومة يجب ان تحكم بثقة الشعب ولمصلحته وبالتالي فقدان الحكم الديمقراطي الذي يستمد سلطاته من الدستور ويمارس مسؤلياته وفقا لأحكام الدستور ويعتبر أول واجباته المقدسة المحافظة على حقوق المواطن وحماية سيادة القانون بكل ابعادها ومعانيها، واحترام مبادئ الحق والعدل والانصاف بالقول والعمل.

          ب – فقدان الحكومات المتعاقبة، وحتى الآن، الثقة في ان جماهير الشعب الواسعة تملك من الوعي على مصالحها وحقوقها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن القدرة والتصميم على الدفاع عن تلك الحقوق والمصالح، بما يمنع ويحول بصورة فعلية دون أي اعتداء أو طغيان عليها، أو استغلالها لها، او انحراف عن طريقها، من قبل أية حكومة أو سلطة أو جهة كانت

          جـ – ونتيجة لكل ذلك انعدام أي أساس أو مظهر للثقة بين الحكومات المتعاقبة ومؤسساتها وممثليها من جهة وبين الشعب على اختلاف اتجاهاته وانتماءاته ومنظماته السياسية والاجتماعية والمهنية من جهة أخرى، واتساع رقعة التناقضات بين الحاكم والمحكوم يوما بعد يوم، بحيث أصبح الشك والعداء هو طابع العلاقات والتعامل بينهما.

          الثاني – العوامل الخارجية وتتجسد فيما يلي:

          أ – استمرار اعتماد حكوماتنا المتعاقبة ، قبل عام 1967 وبعدها وحتى الان، في تقرير علاقاتها وسياستها ومواقفها الخارجية والاقتصادية والدفاعية بصورة عامة، وما يتصل منها بتسليح الجيش بصورة خاصة، على اساس استمرار الامل والثقة بالدول الامبريالية، وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركية بل بالرغم من وضوح مواقفها وسياستها العدائية من قضايانا وحقوقنا ومصالحنا وفي مقدمتها قضية فلسطين والعدوان الصهيوني على الوطن

<1>

مذكرة الهيئات الوطنية في الأردن إلى السلطات الحكومية بشأن الظروف الراهنة
المصدر: ” الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970، مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، بيروت مج 6، ص 500 – 503 “

وبوجه خاص بعد فاجعة عام 1967.

          ب – فقدان الثقة، لدى حكوماتنا المتعاقبة قبل وبعد عام 1967 ، بقدرة وامكانية جماهيرنا وجيوشنا العربية على استرداد حقوقنا في فلسطين والمناطق المحتلة من قبل إسرائيل، وبالتالي فقدان ثقتها بالكفاح المسلح طريقا للتحرير، واستمرار التطلع والامل لدى هذه الحكومات بامكانية التوصل الى حل لا يمكن ان يحقق لأمتنا حقوقها المشروعة ولقضيتنا العدالة والكرامة وذلك بالاعتماد على محاولات الامم المتحدة والدول الكبرى.

          جـ – ونتيجة لكل ذلك فقد كانت استراتيجية الحكومات المتعاقبة قبل وبعد عام 1967 قائمة على اساس اهمال تدريب او تسليح او تنظيم او تعبئة الجماهير والمحافظة على مصادر التسليح التقليدية لجيشنا ، وخوض المحاولة بعد المحاولة لمحاصرة او اضعاف او عزل العمل الفدائي بكل الاساليب التي تساعد على تجميد حجمه وامكانياته ضمن الحدود التي تسمح بشله او ضربه وتصفيته حسبما تقتضي الحلول الاستسلامية.

العلاج:

          تلك هي أهم العوامل والاسباب الرئيسية، التي أدت الى الاحداث والانفجارات الاخيرة، وان أية عوامل او اسباب أخرى ليست في حقيقتها الا مظاهر او اعراض او نتائج، لتلك العوامل والاسباب بصورة مباشرة او غير مباشرة، وسيبقى، احتمال استمرار او تجدد، هذه الاحداث بصورة مماثلة أو اكثر خطورة، على مسار القضية ومصيرها، ما دامت هذه الاسباب والعوامل قائمة، وما لم تبادر السلطة العليا وكافة القوى والطاقات المخلصة الى معالجة هذا الوضع بصورة جذرية وحاسمة وسريعة.

          وفي تقديرنا، ان الخطوة الاولى نحو العلاج الحاسم والجذري يتجسد في قيام وحدة وطنية دستورية، تتمتع بثقة واحترام الشعب والارادة والقدرة على الالتزام ، بمصلحة الوطن والمواطن، وفقا لأحكام الدستور والقانون وحماية حقوق الوطن والمواطن بالقول والفعل وفقا لمقتضيات المرحلة والمعركة والمصلحة القومية العليا، وان يتجسد ذلك كله في برنامج واستراتيجية واضحة لمثل هذه الحكومة يمكن اجمالها في الخطوط الاساسية التالية:

          1 – احترام الدستور نصا وروحا بما يعنيه ذلك من ممارسة حقيقية لواجبات ومسؤوليات الحكم وفق احكام الدستور والحيلولة دون تجاوز اية جهة او سلطة لحقوقها وصلاحياتها وواجباتها الدستورية.

          2 – احترام الحريات العامة قولا وعملا بما يعنيه ذلك من واجب اعتبار حرية الرأي والاجتماع والتعبير والتنظيم مقدسة، لا يجوز المساس بها، أو انتقاصها والعمل لالغاء جميع التشريعات والاجراءات المقيدة لها.

          3 – العمل لتأكيد واحترام سيادة القانون ومبادئ الحق والعدل والانصاف في كافة المجالات والمعاملات، واعطاء القضاء ، اوسع السلطات والصلاحيات لالغاء أي اعتداء على هذه السيادة او انتقاص لها.

          4 – انتهاج سياسة اقتصادية تتمشى مع مقتضيات هذه المرحلة والمعركة الحاسمة والمصيرية، وتجعل من الاردن ساحة قتال ومواجهة حقيقية وجدية مع العدو.

          5 – محاربة النعرات الاقليمية والطائفية والعنصرية والعشائرية وكافة عوامل ومظاهر التفرقة والانقسام بين أبناء الشعب الواحد.

          6 – بناء أجهزة الدولة عامة على أساس الكفاءة والنزاهة والاخلاص وتطهيرها من كافة عناصر ومظاهر الرشوة والفساد والمحسوبية.

          7 – بذل كل العناية والاهتمام بالقوات المسلحة، وتوفير جميع الامكانيات المادية وغير المادية في سبيل رفع كفاءتها الفنية والمعنوية وتمكينها من اداء واجبها المقدس في معركة التحرير على أكمل وجه، وبصفة خاصة العمل على تزويدها بأحدث الاسلحة وبالكميات اللازمة من أي مصدر كان بما فيها الدول الاشتراكية بما يتناسب ومتطلبات المرحلة والمعركة.

          8 – ان الكفاح المسلح، على الصعيدين الرسمي والشعبي، هو الطريق الوحيد ولا طريق سواه لتحرير فلسطين وكافة الاجزاء العربية التي يحتلها العدو الصهيوني، وان العمل الفدائي ودعمه ومساندته واتاحة كل الفرص لتدريب الشعب وتعبئته في كتائب الفداء والدفاع المدني يجسد في المرحلة الراهنة الصورة الصحيحة والصادقة لارادة الشعب في اعتماد الكفاح المسلح طريقا للتحرير، وتطوير وتصعيد هذا الكفاح على مسيرة الثورة الشاملة وحرب التحرير الشعبية حتى النصر على الاستعمار الصهيوني الامبريالي، ولذلك فإنه يجب:

          أ – دعم العمل الفدائي ومده بجميع أسباب العون والقوة التي تضمن تطويره وتوسيعه وتمكينه من ممارسة واجباته ومسؤولياته وتصعيد أعماله في سبيل التحرير بأمان وحرية وحمايته من كل التدخلات والمؤامرات .

          ب – العمل لإنجاح ودعم كل الاخوة في السلاح والهدف والمصير بين القوات المسلحة ومنظمات المقاومة بما يساعد في بناء الثقة المتبادلة على أسس ثابتة، وتحقيق المزيد من التعاون والالتحام بينهما على طريق المعركة والمسيرة الواحدة في سبيل التحرير.

          جـ – العمل لإنجاح ودعم كل المحاولات المبذولة لتحقيق المزيد من الوحدة الوطنية والالتحام فيما بين فصائل المقاومة من جهة وبينها وبين جماهير الشعب في الساحة

<2>

مذكرة الهيئات الوطنية في الأردن إلى السلطات الحكومية بشأن الظروف الراهنة
المصدر: ” الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1970، مؤسسة الدراسات الفلسطينية ، بيروت مج 6، ص 500 – 503 “

الأردنية الفلسطينية من جهة أخرى.

         د – العمل لانجاح ودعم كل المحاولات المبذولة، لتحقيق المزيد من الانضباط، والروح الانضباطية في صفوف الجيش والمقاومة، ومعالجه أية أخطاء في هذا المجال من موقع الاخوة والمحبة ووحدة الهدف والمصير.

         هـ – محاربة جميع الدسائس والمحاولات التي ترمي الى اثارة النعرات والانقسامات او اضعاف فرص الثقة والالتحام المصيري بين أبناء الضفتين الشرقية والغربية من جهة والعسكريين والفدائيين من جهة أخرى.

         9 – بذل كل الجهود والامكانيات داخليا وعربية لتحقيق المزيد من الالتحام بين القيادة السياسية والقوات المسلحة في اطار الجبهة الشرقية من جهة وبين الجبهتين الشرقية والغربية من جهة أخرى، بما يحقق اقامة طوق عربي موحد حول اسرائيل يتوفر له وحدة القيادة والقوى السياسية والعسكرية ووحدة المواقف والتخطيط ويتحقق فيه النواة القادرة على استيعاب كل الامكانيات العربية الاخرى في المعركة.

         10 – توفير كل امكانيات الدعم والصمود في المناطق المحتلة وخطوط المواجهة مع العدو، وتوفر كل أسباب الدفاع والحماية والاطمئنان ضد كل الغارات والاعتداءات والحرب النفسية.

         11 – انتهاج سياسة خارجية تهدف الى محاربة وتصفية كافة مظاهر وأشكال وآثار التعاون او التعامل مع الدول الاستعمارية والامبريالية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، سياسيا وعسكريا واقتصاديا، ومن جهة أخرى اقامة أوثق العلاقات مع الدول والشعوب الصديقة وفي طليعتها الدول الاشتراكية والدول المؤيدة للحق العربي في فلسطين والقضايا العربية الاخرى.

التواقيع

سعيد المفتي، رئيس مجلس الاعيان
سليمان النابلسي، عضو مجلس الاعيان
عاكف الفايز ، عضو مجلس النواب
عبد المجيد شومان، مدير البنك العربي
انطون عطا الله ، مدير البنك العقاري
سليمان السكر، مدير البنك الاهلي
متري الشرايحه، نقيب أطباء الاسنان
جعفر الشامي، نقيب المهندسين
سليمان الحديدي، نقيب المحامين
نزار جردانه ، نقيب الصيادلة
خليل اللوباني ، نقيب المهندسين الزراعيين
محمد علي بدير، رئيس اتحاد الغرف التجارية
مروان الحمود، رئيس بلدية السلط
حسن خريس، رئيس بلدية اربد
روحي الخطيب، امين القدس
الشيخ عبد الحميد السائح
ابراهيم بكر
يوسف ابو حاكمه، رئيس غرفة تجارة
كمال الدجاني
صلاح العنبتاوي، نقيب الاطباء
وليد الخياط
أحمد الحديدي
جميل بركات
عصام عبد الهادي، الاتحاد النسائي


<3>

Scroll to Top