مذكرة الهيئة العربية العليا لفلسطين إلى الحكومة البولونية بخصوص موقفها من إسرائيل

مذكرة الهيئة العربية العليا لفلسطين إلى الحكومة البولونية بخصوص موقفها من إسرائيل
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 الى 1969، وزارة الارشاد القومى، ج 2، ص 1497- 1499”

مذكرة الهيئة العربية العليا لفلسطين
إلى الحكومة البولونية بخصوص موقفها من اسرائيل(*)
بيروت فى 29 / 6/ 1966

          حضرة السيد وزير خارجية الجمهورية البولونية المحترم

                                وارسو

          تحية واحتراما وبعد،

          فان الهيئة العربية العليا، الممثلة الشرعية لكفاح الشعب الفلسطينى، ترجو أن تسترعى نظر سيادتكم الى سياسة السلطات الصهيونية فى فلسطين المحتلة (اسرائيل) وجهودها المتواصلة لاستدراج الشعب البولونى وحكومته الموقرة، الى معارضة حقوق الشعب العربى الفلسطينى ومصلحة الامة العربية، والانحياز الى جانب الأعداء الصهيونيين ودعم وجودهم غير المشروع فى وطننا “فلسطين”.

          من الملاحظ أن جهود الصهيونيين قد تضاعفت فى المدة الأخيرة لاجتذاب السلطات البولونية وكسب المزيد من مظاهر تعاونها وتأييدها للسياسة الصهيونية ومما يسئ الى علاقات الصداقة المنشودة بين الشعب البولونى وشعوب الأمة العربية.

          وتعتقد الهيئة العربية العليا لفلسطين ان من واجبها الاشارة الى هذه الظاهرة التى تعتبرها معادية لأمانيها فى تحرير وطنها، راجية أن تعيد حكومتكم الموقرة نظرها فى سياستها تجاه الوجود العدوانى الاستعمارى الصهيونى فى فلسطين المحتلة.

          ان انعقاد مؤتمر السفراء الاسرائيليين فى الدول الشرقية برئاسة أبا ايبان فى وارسو بين 8 – 16 / 5/ 1966 ورفع التمثيل الدبلوماسى بين الحكومة البولونية والسلطات الصهيونية الاستعمارية الى درجة سفارة فى سنة 1965، وزيادة التبادل التجارى بينهما وقيام بعثة تجارية بولونية رسمية بزيارة فلسطين المحتلة فى 15 / 4/ 66 كلها مظاهر تأييد ودعم للوضع السياسى غير الشرعى القائم على الغزو والتآمر والاغتصاب العسكرى لوطننا فلسطين وهى مظاهر تسئ الى علاقات الود والصداقة بين الشعب البولونى والعالم العربى. ذلك لأن كل دعم سياسى واقتصادى


        * “فلسطين” نشرة الهيئة العربية العليا لفلسطين العدد 64، حزيران- (يونيو) 1966.

  

مذكرة الهيئة العربية العليا لفلسطين إلى الحكومة البولونية بخصوص موقفها من إسرائيل
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 الى 1969، وزارة الارشاد القومى، ج 2، ص 1497- 1499”

للوجود الاستعمارى فى فلسطين المحتلة يعتبر عملا غير ودى نحو الشعب الفلسطينى الذى أخرج من وطنه، وسلبت أملاكه واغتصبت حقوقه.

          ان الاستعمار كله لا يتجزأ، و “اسرائيل” ربيبته ومخلبه فى المشرق العربى، ولابد للدول المنضوية تحت لواء التحرير ومحاربة الاستعمار من الوقوف فى وجه الوجود الاسرائيلى الاستعمارى ومشاركتنا فى مكافحته والقضاء عليه. أما الوقوف الى جانب “اسرائيل” واستمرار دعمها وتأييدها فهو تنكر واضح لمبادئ التحرر ومحاربة الاستعمار.

          كما ان عداءنا للصهيونية الاستعمارية العدوانية لا يعنى تعصبا طائفيا ضد اليهود. فلقد عاش اليهود قرونا عديدة فى حماية العرب دون أن يكونوا عرضة لأى أذى أو اضطهاد دينى أو عنصرى، فان ديننا وتقاليدنا لا تقر أى تمييز أو اضطهاد للآخرين بسبب الدين أو العنصر.

          أما الصهيونية العالمية فهى حركة سياسية استعمارية هدفها تجميع يهود العالم وحشدهم فى فلسطين العربية بالقوة والاغتصاب تمهيدا لانشاء دولة “اسرائيل” الكبرى من “النيل الى الفرات” كى يتحكموا فى أسواق آسيا وافريقيا ويستغل كبار رأسمالى اليهود موارد الدول العربية وينهبوا ثرواتها العظيمة بالتحالف مع الدول الاستعمارية وفقا لتخطيط مدروس منذ سنة 1907 موجه ضد رغبة الأمة العربية فى التحرر وتحقيق التقدم الاجتماعى.

          فلقد اجتمعت فى لندن سنة 1907 لجنة من كبار خبراء الدول الاستعمارية الكبرى لدراسة أفضل الوسائل لضمان استمرار قوة الاستعمار العالمى وتوصلت بنتيجة الدراسة الى اقتراح يقضى بفصل المشرق العربى عن المغرب العربى عن طريق اقامة كيان لشعب غريب فى فلسطين قرب قناة السويس وآبار البترول وأنابيبه ومصباته وتتصل حدوده بالبحر الابيض شمالا والبحر الأحمر جنوبا ويشكل حراسة دائمة لمصالح الاستعمار وعائقا جغرافيا ضد وحدة العرب وحريتهم وتقدمهم الاجتماعى.

          لقد تحالف الاستعمار مع الصهيونية لاستغلال اليهود للقيام بهذا الدور تحت ستار الدين والعودة الى أرض الميعاد وبحجة الانتماء الى الحركة الصهيونية القائمة على أسس من التعصب القومى والتمييز العنصرى ونظرية الشعب “المختار”.

          وتم نتيجة لهذا التحالف الاستعمارى الصهيونى اصدار وعد بلفور سنة 1917 وتكليف بريطانيا بتولى الانتداب على فلسطين وتأهيلها لانشاء الوطن القومى اليهودى.

          وفى ظل الانتداب البريطانى وقوانينه الجائرة تم تهجير مئات الوف اليهود من أوطانهم التى أقاموا فيها منذ زمن طويل، الى فلسطين العربية كما تم الضغط على الفلسطينيين بمختلف الوسائل حتى أدى ذلك الى زيادة عدد اليهود فى فلسطين من 56 ألفا فقط سنة 1917 الى 700 ألف سنة 1948 مقابل 1.200.000 عربى.

          لقد قاوم عرب فلسطين الهجرة الاستعمارية والغزو الصهيونى بكل قوة وأشعلوا ضد الاستعمار البريطانى والوجود الصهيونى الثورات المتتابعة، كما تمسك

مذكرة الهيئة العربية العليا لفلسطين إلى الحكومة البولونية بخصوص موقفها من إسرائيل
“ملف وثائق فلسطين من عام 1950 الى 1969، وزارة الارشاد القومى، ج 2، ص 1497- 1499”

عرب فلسطين بأراضيهم وممتلكاتهم رغم قوانين الاستعمار التعسفية التى استهدفت اجبارهم على التخلى عن أراضيهم وبيعها للصهيونيين الغزاة، وقاوموا الاغراءات واحتفظوا بأملاكهم وأراضيهم حتى انه حين أعلنت “دولة اسرائيل” سنة 1948 لم يكن اليهود يملكون فى فلسطين أكثر من 7% من مجموع أملاكها.

          لقد سلبت السلطات الصهيونية فى فلسطين المحتلة أموال العرب وممتلكاتهم وطردتهم من مساكنهم وأراضيهم وحولتهم الى لاجئين بتأييد سياسى وعسكرى ومادى من الدول الاستعمارية التى تجاهلت حق تقرير المصير وحقوق الانسان ومبادئ القانون الدولى.

          ومن الطبيعى أن يرفض عرب فلسطين هذا المصير وأن يصروا على تحرير وطنهم واستعادة حقوقهم وممتلكاتهم وازالة آثار الوجود الصهيونى الاستعمارى من وطنهم، وأن ينشدوا من الدول المحبة للحرية والمعادية للاستعمار تأييد نضالهم للقضاء على أكبر قاعدة استعمارية فى العالم.

          اننا نعتقد ان زيادة الدرس والتفهم لحقيقة الصهيونية العالمية واخطارها ومطامعها، تؤدى حتما الى الاقتناع بالحق العربى كما تؤدى الى اعادة النظر فى مسألة الاعتراف بالوجود الصهيونى فى فلسطين المحتلة وكيان “اسرائيل” وتستوجب سحبه والامتناع عن تقديم أى عون أو تأييد للقاعدة الصهيونية وامدادها بوسائل البقاء والنمو والقدرة على تنفيذ مخططات الدول الاستعمارية.

          ان عرب فلسطين يعتبرون اليهود مواطنين فى البلدان التى يقيمون فيها منذ القدم، ولا يجوز السماح للصهيونية بأن تخلق عندهم ازدواج الولاء كما لا يجوز السماح لأية حكومة بتهجير مواطنيها اليهود الى خارج وطنهم وبصورة خاصة الى فلسطين المحتلة.

          لذلك نرجو من حكومتكم الموقرة أن تعيد النظر فى سياستها تجاه السلطات الصهيونية الاستعمارية فى فلسطين المحتلة. ونطالب بأن تمتنع عن السماح لمواطنيها اليهود بالهجرة الى “اسرائيل” وأن تتجنب تقديم أى دعم سياسى أو اقتصادى لها حفظا لعلاقاتها الودية مع الشعب العربى الفلسطينى والامة العربية جمعاء.

          وتفضلوا يا صاحب السيادة بقبول وافر الاحترام.

                     بيروت فى 29 حزيران 1966

 

 

رئيس الهيئة العربية العليا لفلسطين
(محمد أمين الحسينى)


Scroll to Top