مذكرة الهيئة العربية العليا لفلسطين إلى الدول العربية حول تجربة منظمة التحرير في الأعوام الثلاثة الماضية

مذكرة الهيئة العربية العليا لفلسطين إلى الدول العربية حول تجربة منظمة التحرير في الاعوام الثلاثة الماضية
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1966، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 2، ص 385 – 388”

مذكرة الهيئة العربية العليا لفلسطين الى
الدول العربية حول تجربة منظمه التحرير في
الاعوام الثلاثة الماضية *

بيروت في 6 /9 /66
(فلسطين، نشرة الهيئة العربية العليا
لفلسطين، العدد 67 تشرين اول – اكتوبر 66)

مقدمة

         ان ما وصلت اليه القضية الفلسطينية خاصة، واوضاع الدول العربية عامة، من الضعف والتفكك، قد حفز الهيئة العربية العليا لفلسطين الى تقديم هذه المذكرة، الى الدول العربية الموقرة صادرة في ذلك عن اخلاص، وسلامة قصد.

         والهيئة العربية تسترعي المسؤولين من رجالات الامة العربية وتذكرهم بما قاله زعيم يهودي صهيوني معروف هو الجنرال “يادين” وهو: (اننا لا نستطيع التغلب على العرب لسببين: الاول، الاوضاع الجغرافية، و الثاني، تفوق العرب الكبير في العدد، ولذلك فان السبل  الوحيدة التي تمكننا من التغلب، هي ايجاد خلاف دائم بين العرب ..)

مخطط خطير

         لقد استطاعت الصهيونية العالمية ان تنفذ هذا المخطط الخطير، بوسائلها واساليبها العديدة ونفوذها الكبير على بعض دول الاستعمار الكبرى فعمل الاعداء على تمزيق شمل البلاد العربية عامة، والفلسطينيين خاصة، بما دسوا من دسائس، وبيتوا من مؤامرات، واذاعوا من دعايات وتوجيهات، وبما انشأوا فيها من ثغرات، وقد ساعد على ذلك، مع الاسف الشديد غفلة العرب وانصراف كثير منهم الى توافه الامور، وصدوفهم عن مواقف الجد والحزم التي بدونهما لا تستطيع الامة العربية درء هذا الخطر الداهم عن أوطانها، وانقاذ فلسطين من قبضة الصهيونية العالمية التي استغلت ذلك لضمان استقرارها، وتوطيد اقدامها، وانتاج قنبلتها الذرية التي ترمي من وراء التهديد بها، او استعمالها، الى التغلب على تفوق العرب العددي، واخضاعهم واذلالهم.

اعادة النظر

         ولا يخفى ان الخروج من هذا المأزق المهلك، وانقاذ مستقبل العرب جميعا من الخطر الصهيوني المحدق المتفاقم، يحتم عليهم اعادة النظر في موقفهم الحاضر الذي عصف بمكانتهم الدولية وازال هيبتهم من قلوب الاعداء وكشف عن مقاتلهم، ونقاط الضعف فيهم، وقد آن للدول العربية بل اصبح محتما عليها ان تعمل، جادة، لجمع الكلمة ولم الشعث واجتناب الخصومات


بمناسبة انعقاد مجلس الجامعة العربية خلال شهر ايلول – سبتمبر -.

مذكرة الهيئة العربية العليا لفلسطين إلى الدول العربية حول تجربة منظمة التحرير في الاعوام الثلاثة الماضية
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1966، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 2، ص 385 – 388”

الداخلية وانهاء الحروب الجانبية وكل ما يستنزف قواها ويلهيها عن مجابهة الاعداء، وان تعمل من جهة اخرى لجمع كلمة الفلسطينيين  الذين هم الاساس والعماد في انقاذ وطنهم السليب، والذين كانت اوضاع الدول العربية وخلافات بعضها ومحاولة استغلالهم وتسخيرهم والزج بهم في شؤون البلاد العربية الداخلية واقحامهم في خصوماتها، من اهم اسباب تفريق كلمتهم وتشويه سمعتهم وحرمانهم من عطف كثير من اخوانهم العرب، وايصال قضيتهم الى وضعها الاليم الحاضر.

         ولا شك في ان صالح قضية فلسطين لا يكون الا بالعودة الى طريق الحق والعدل في معالجتها، والخطوة الاولى في ذلك هي انشاء الكيان الفلسطيني على اساس سليم ووضع ثابت قويم.

الكيان المنشود

         لقد طالبت الهيئة العربية العليا، باسم الشعب الفلسطيني، الدول العربية وجامعتها، منذ سنة 1950، بضرورة انشاء الكيان الفلسطيني ليتولى الشعب الفلسطيني زمام قضيته ويتحمل مسؤولية العمل لتحرير وطنه، بان يتم ذلك بطريق الانتخابات الحرة النزيهة.

         ولقد وافقت جامعة الدول العربية في دورتها الاربعين سنة 1963، بالاجماع، على المقترحات العراقية الخاصة بانشاء الكيان الفلسطيني بطريقة الانتخابات العامة، فرحب الشعب الفلسطيني بذلك.

         لكن مجلس الجامعة العربية لم يلبث ان بدل موقفه وقراراته السابقة وبالاكثرية بدل الاجماع قرارات خاصة بفرد من افراد الفلسطينيين ليس له في نفوسهم اى رصيد من ثقة او اية سابقة من جهاد او تضحية او اى عمل جدى لقضيتهم الا الكلام المنمق والخطب العاطفية الجوفاء.

         لقد وضح منذ ذلك الحين ان هناك خطة مرسومة تستهدف استبعاد العناصر الوطنية المخلصة عن ميدان القضية الفلسطينية لانتزاع هذه القضية من ايدى الشعب وقادته المخلصين تمهيدا لتحقيق خطة تصفيتها التي وضعتها بعض الدول الاستعمارية الكبرى كما تستهدف إلهاءه بسياسة شكلية بعيدة عن الجد والتصميم، وصرف ابصاره عن كارثة تحويل نهر الاردن الفاجعة ، والسير بقضيته خطوات واسعة في سبيل التصفية النهائية.

         تلقى الشعب الفلسطيني تلك القرارات والخطوات التنفيذية التالية لها بالدهشة والاستغراب، وتقدمت الهيئة العربية العليا، والهيئات والجماعات الفلسطينية الاخرى بكثير من مذكرات وعرائض الاحتجاج، بشجب انتزاع القضية من يد الشعب وتسليمها الى يد فرد معين واستنكار العدول عن مقررات جامعة الدول العربية التي نصت على:

         “تأكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بنفسه وممارسة حقوقه الوطنية كاملة وان الوقت قد حان ليتولى اهل فلسطين امر قضيتهم ومن واجب الدول العربية ان تتيح لهم الفرصة لتمكينهم من ممارسة هذا الحق بالطرق الديمقراطية، وان مجلس الجامعة يؤيد المبادئ العامة التي يقوم عليها الاقتراح العراقي بشأن الكيان الفلسطيني”.

اطلاق يد المنظمة

         لكن جامعة الدول العربية لاعتبارات واسباب  لا نريد ان نعرض لذكرها، تجاهلت مطالب الشعب الفلسطيني، وامعنت في تأييد الخطوات الفردية الدكتاتورية التي ادت الى تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية بشكلها الحاضر، واطلقت يدها القاصرة في العمل وامدتها بالتأييد السياسي والعون المالي الكبير الذي فاق جميع ما دخل على الحركة الوطنية والثورات الفلسطينية المتعددة خلال الثلاثين عاما من عهد الانتداب البريطاني.

         وسارت المنظمة باجهزتها، تعمل مدة ثلاثة  اعوام، يرقبها الشعب الفلسطيني والامة العربية لمعرفة النتائج التي ستتوصل اليها وخاصة بعد ان اتخذت لنفسها ميثاقا ورفعت شعارات جذابة   

 

مذكرة الهيئة العربية العليا لفلسطين إلى الدول العربية حول تجربة منظمة التحرير في الاعوام الثلاثة الماضية
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1966، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 2، ص 385 – 388”

تنادي بالوحدة الوطنية والتعبئة القومية والتحرير وأمنت لخزينتها الموارد المالية الوفيرة من مختلف الجهات.

         بعد ثلاثة اعوام، يحق للشعب الفلسطيني ان يقيم اعمال المنظمة التي سلمتها الجامعة العربية زمام قيادته، وان يحكم على خطتها من النتائج التي توصلت اليها، كما يحق للامة العربية باجمعها ان تعيد النظر في أمر المنظمة وان تحكم بتجرد وانصاف على ما آلت اليه قضية فلسطين، بعد هذه الاعوام الثلاثة.

         ومن الواضح ان كل منصف لا بد ان يحكم على المنظمة بالفشل في تحقيق شعاراتها لانها لم تحقق وحدة وطنية بل عملت على ايقاع الخصومات والخلافات بين ابناء فلسطين، وفرقت الاجماع العربي على قدسية قضية فلسطين، وكانت سببا مباشرا في اذكاء نار الخلافات واثارة الشحناء بين بعض الجهات العربية الرسمية.

تجربة اعوام ثلاثة

         ثلاثة اعوام مرت على المنظمة كانت مليئة بالعبث والمشاكل، كما كانت حافلة بالتخبط  والدجل السياسي، والتبعية، وبالانحدار بالقضية الفلسطينية الى مستوى المهاترات، والمعارك الجانبية والزج بها في النزاعات والاختلافات العربية واقحامها في التيارات العالمية والخصومات العقائدية. مما أفقدها قدسيتها واجماع العرب على نصرتها وابقاءها فوق مستوى الخلافات، ومهد السبيل لاشاعة اليأس والملل، وقتل الروح المعنوي والوصول بالنفسية العربية الى ما يتمناه المستعمرون والصهيونيون من انصراف عن قضية فلسطين وصدوف عن الايمان  بتحريرها، ومن ثم الى القبول بأى حل يفرض لها، ولو على اساس الامر الواقع.

         ان تجربة الاعوام الثلاثة الماضية تستوجب ان تراجع الدول العربية الموقرة موقفها وان تعدل عن المضي في تأييد الخطأ، وان تنظر الى القضية الفلسطينية النظرة التي تفرضها قدسيتها واهميتها وإنا نربأ بها ان تكون راضية عن النتيجة السيئة التي وصلت اليها فكرة الكيان الفلسطيني على يد منظمة التحرير بشكلها الحاضر.

ألم واستنكار

         ان الشعب الفلسطيني اذ يألم لواقع قضيته، ويأسف لتجاوز جامعة الدول العربية قراراتها الخاصة بانشاء الكيان الفلسطيني وعدولها عنها ويستنكر استمرار الاعتداء على حقوقه في تقرير مصيره وانشاء كيانه، يطالب باصرار بضرورة وضع حد لهذه المهزلة التي تمثل على مسرح القضية الفلسطينية باسم الكيان الفلسطيني.

         ولا ريب في ان الدول العربية الموقرة قد لمست هذه النتائج الاليمة للتجربة الفاشلة، ووقفت على الحقيقة. ولعل حرص الدول العربية على تحقيق اهداف التضامن العربي هو ما حملها على السكوت والتريث في مجابهة الحقيقة، الا ان سلامة قضية فلسطين والصالح العربي العام لم تعد تجيز مواصلة السكوت والاستمرار في التغاضي عن الوضع الشاذ الذي انحدرت اليه  هذه القضية من جراء اعمال هذه المنظمة المعينة تعيينا، والمفروضة فرضا على الشعب الفلسطيني.

         ان عرب فلسطين ليصرون على رفض التقيد بنتائج تلك التجربة الفاشلة كما سبق ان اصروا على رفض الاعتراف بها منذ انشائها واحتضانها وهم ما زالوا يطالبون بايجاد الكيان الشعبي القادر على مواجهة مؤامرات التصفية والتصدي بقوة وعزم لكل محاولات الانحراف بالقضية الفلسطينية عن طريق الكفاح الجدى.

الاسلوب الديمقراطي

         ولبلوغ هذه الغاية، وللقضاء على الاوضاع الشاذة التي تضرب قضية فلسطين في صميمها، وللوصول بالشعب الفلسطيني الى ارض صلبة يستطيع ان يندفع منها بقوة نحو تحرير وطنه، فقد بات من الضروري العدول عن الخطة السابقة والعمل على تحقيق رغبته ومطالبه التي كررها في برقياته ومذكراته التي تنسجم مع مقررات مجلس الجامعة العربية نفسه في دورته الاربعين

مذكرة الهيئة العربية العليا لفلسطين إلى الدول العربية حول تجربة منظمة التحرير في الاعوام الثلاثة الماضية
المصدر: “الوثائق الفلسطينية العربية لعام 1966، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، مج 2، ص 385 – 388”

في شأن انشاء الكيان الفلسطيني الحقيقي، بالطرق الديمقراطية وفق قانون انتخابي سليم، يضعه ممثلو مختلف الهيئات الفلسطينية، وتشرف على تنفيذه هيئة قضائية عربية محايدة.

         ولما كانت قضية فلسطين في حقيقتها وجوهرها  قضية عربية واسلامية، وان صالحها ان تلتف حولها القوى الروحية، ولا سيما الاسلامية، لمناصرتها وتأييدها، لما يوفره ذلك لها من قوة دولية عالمية تدرأ عنها الاخطار وتتصدى لليهودية العالمية ونفوذها الدولي، فقد حاول الصهيونيون منذ اول ادوار هذه القضية، عزلها عن العالمين العربي والاسلامي وابعادها عنهما دون ان يستطيعوا الى ذلك سبيلا، حتى تولى اجتماع المنظمة الاول في القدس في اول ايار عام 1964، برئاسة رئيس المنظمة الذي عين اعضاءه بمحض اختياره وفقا للنهج المرسوم له، تحقيق هذه الرغبة الاستعمارية الصهيونية، وذلك باتخاذه قرارا بعزل قضية فلسطين عن العالم الاسلامي.

         وكذلك عندما نفذ الصهيونيون برنامجهم في ايار 1964 في الاستيلاء على مياه نهر الاردن بضخها من بحيرة طبرية الى النقب، لم يرتفع صوت من المنظمة بالاحتجاج او الاستنكار لهذا العمل وهذه الكارثة التي لا تقل خطورة عن كارثة عام 1948.

         فلهذه الاسباب وغيرها، تعود الهيئة العربية العليا، الى التأكيد على ضرورة اتخاذ ما يقتضي من اجراءات فعالة سليمة لاصلاح الوضع القائم بما يتحقق به صالح القضية الفلسطينية والابتعاد بها عن عوامل التسخير والاستغلال والخلافات والمنازعات، ويتحقق به التعاون المنشود مع كافة الدول العربية وشعوبها، والسير بهذه القضية قدما في سبيل تحقيق المثل العليا التي جاهد الشعب الفلسطيني وبذل دماءه وارواح شهدائه في سبيلها.
         بيروت في 6 ايلول 1966.
         الهيئة العربية العليا لفلسطين   


Scroll to Top