مذكرة هرتزل إلى لانسدون

مذكرة هرتزل إلى لانسدون
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومي، ج 1، ص 143 – 144”

مذكرة هرتزل الى لانسدون
24 /10 /1902

         إن حل المسألة اليهودية فى شرق أوروبا لا يزيد فى اعتبار انجلترا فحسب بل سيكون فى صالحها. أما الحافزالذى سيجعل الحكومة البريطانية تهتم بهذه المسألة فهو الهجرة الى الجانب الشرقى من لندن. صحيح أن هذه الهجرة لم تصبح بعد خطرة وآمل أن لا تكون خطرة إلى درجة تحمل انجلترا على التخلى عن مبدئها العظيم فى السماح باللجوء السياسى ولكن تعيين بعثة ملكية لتنظر فى الأمر كاف لأن يجعل العالم يقبل بأن تخصص الحكومة البريطانية قطاعات خاصة لليهود الذين يضطهدون فى كل مكان فيضطرون إلى اللجوء إلى انجلترا. وليس هذا التفسير سطحيا لأن القوى نفسها التى تعمل الآن على اخراج اليهود من بلادها والتى لا تقف فى وجه عمل الحركة الصهيونية التى أديرها أنا فى تهجير اليهود هذه نفسها قد تغير فكرها وتقف عائقا فى طريقنا إن اكتشفت أن قوة انجلترا فى جنوبى شرقى البحر المتوسط قد أصبحت تسير فى طريق الضعف. مثل هذه الغيرة ستضايق مهاجرينا كثيرا ولكن مع مضى الوقت وعندما تسير الأمور لا يستطيعون أن يعملوا شيئا بهذا الخصوص. تمتلك انجلترا الآن فى جنوبى شرقى البحر المتوسط مقاطعات خالية من السكان لا قيمة لها. هى المنطقة الساحلية المؤلفة من العريش وشبه جزيرة سيناء. هذه المنطقة يمكن أن تصبح ملجأ ووطنا لليهود المضطهدين فى جميع أنحاء العالم اذا سمحت انجلترا لليهود باقامة مستعمرة هناك.

         لقد قضيت وقتا لا بأس به اتفاوض مع الحكومة التركية باسم الحركة الصهيونية للتنازل عن قسم من فلسطين على أن المفاوضات التركية تأخذ وقتا طويلا وأنا أنوى أن أسير فى هذه المفاوضات مع السلطان الذى يبدى اهتماما شخصيا بى – على الأقل لأبعد أى شبهة فى أن استيطاننا فى العريش وغيره. اذا أخذناه سيكون غير سلمى. أما من الناحية العملية. فالاستيطان سيسير مبدئيا كما يلى: تعطينا الحكومة البريطانية امتيازا للمقاطعات المطلوبة ولا حاجة لأن ندخل فى التفصيلات الآن وعندما نمنح الامتياز تقرر الضرائب التى ستدفعها المستعمرة اليهودية للامبراطورية وعلى أساس هذا الامتياز سنؤسس شركة استيطان. الشركة اليهودية الشرقية بمبلغ خمسة ملايين جنيه كرأس مال. هذه الشركة تقوم بأعمال الاستيطان حسب التخطيط. يذهب موظفون تقنيون وخبراء زراعة حالا الى هناك لتهيئة الطرق وسكك الحديد والموانئ ولدراسة المساحات وتقسيمها.

         لكن الهجرة لن تبدأ سريعا يجب أن تنظم أولا فعندنا آلاف من المؤسسات الصهيونية فى أنحاء العالم وهى مقسمة إلى اتحادات فى كل بلد فمثلا هناك الاتحاد الانجليزى (ورئيسه سيرف. مونتفيورى فى لندن) واتحاد فى جنوبى افريقية

مذكرة هرتزل إلى لانسدون
“ملف وثائق فلسطين من عام 637 إلى عام 1949، وزارة الارشاد القومى، ج 1، ص 143 – 144”

(ورئيسه مستر جولدرايخ فى جوهانسبرج) واتحاد كندى (ورئيسه مستر كلارنس دى سولا فى مونتريال) وطبعا عدد اتحادات شرقى أوروبا أكثر بكثير. ان المكان الرئيسى لهذه الاتحادات جميعها فى فينا. وعن طريقها نستطيع أن ننظم وبصورة يتكل عليها أمور الهجرة تقدم الينا الفئات المحلية المهاجرين وتكون هذه الفئات هى المسئولة عن كفاءة الأشخاص الذين يختارونهم. والغاية من هذا أن نتأكد من صلاحية وكفاءة الرواد وسيكون التوطين حسب أحدث مبادىء العلم والخبرة.

         وسيكون رأس مال الشركة وجهود أوائل النازحين المختارين نواة المستعمرة ولكن هذا لن يكفى لأنه أن اقتصر الأمر على هذا فسيبقى تافها وسطحيا كغيره من محاولات الاستعمار اليهودى يجب أن يسند العمل ويقوى بمنح حقوق استعمارية حتى يقبل عليه اليهود المنبوذون والضعفاء والبؤساء.

         ولن تقتصر الهجرة على يهود شرقى أوربا الجائعين الذين سيذهبون من أجل العمل انما سيذهب أيضا بعض اصحاب رءوس الأموال لأنهم سيجدون مجالات لمشاريع أعمال يستفيدون منها. وحتى بعض أغنياء روسيا سيذهبون أيضا. هذه جميعها حقائق أنا متأكد منها وعندى عليها براهين ابقيها سرية وفي غضون سنين قليلة ستصبح الامبراطورية أكبر بفضل مستعمرة غنية.

         صحيح أن البلاد الآن فارغة لا شىء فيها انما هذا لن يؤثر فى ما أنا متأكد منه إن جميع المدن القائمة اليوم. قامت على فراغ. وهناك البندقية التى قامت على المياه وفى وقت أقل تقدما من وقتنا الحاضر.

         إن الطاقة البشرية هى ثروة البلاد وتستطيع انجلترا أن تضم اليها هذه الطاقة البشرية ليس فقط مئات الآلاف الذين سيهاجرون فى بضع سنين ليخصبوا الأراضى البور برءوس أموالهم واتعابهم وسيقيمون وطنا سلميا بل هناك جميع يهود العالم الذين سينضمون تحت كنف انجلترا ان لم يكن لأسباب سياسية فعلى الأقل لاسباب معنوية.

         هناك حوالى عشرة ملايين يهودى فى العالم لا يستطيعون فى جميع البلدان أن ينتموا إلى انجلترا علنا انما سينتمون اليها بقلوبهم اذا هى قامت بعمل مثل هذا فأصبحت حامية للشعب اليهودى. وفى لحظة تستطيع أن تعتمد على عشرة ملايين موال مخلص لها فى جميع انحاء العالم وان كان ذلك فى السر. بعضهم مجرد بائعى أبر وخيطان في قرى الشرق الصغيرة ولكن البعض الآخر تجار كبار وأصحاب مصانع ومديرو بنوك وعلماء وفنانون وصحفيون وأصحاب أعمال أخرى. جميع هؤلاء سيكونون رهن اشارة الأمة العظيمة التى ستمهد لهم المساعدة المطلوبة.

         سيكون لانجلترا عشرة ملايين عميل من أجل عظمتها وسيطرتها وهذا الولاء لابد أن يكون على الصعيدين السياسى والاقتصادى. فمن الطبيعى أن يقبل اليهودى على شراء وتشجيع منتوجات بلد يقدم لليهود مساعدة ويفضلها على منتوجات بلد اليهود فيه مضطهدون. لقد سبقت انجلترا غيرها من البلدان فى ايجاد وسائل المواصلات لتوسيع وتقوية مستعمراتها. وكذلك فان الفوائد تعود على من يقوم بأعمال لايفطن اليها غيره.

         أملنا أن تفطن الحكومة الانجليزية إلى فوائد كسب الشعب اليهودى.

Scroll to Top